## العائدون من الماضي: رواية أسْمى الزهار تُشعل فتيل البحث عن الذات في أعماق الألم
داخل كل نفس أسرار
في عالم الأدب العربي
المعاصر، تبرز بعض الأعمال كمنارات تُضيء دروب القارئ نحو آفاق جديدة من الفكر
والشعور. ومن بين هذه الأعمال، تتألق رواية "العائدون من الماضي" للكاتبة
المبدعة أسْمى الزهار، مقدّمةً تجربة أدبية عميقة تتجاوز مجرد السرد لتلامس جوهرالوجود الإنساني. هذه الرواية ليست مجرد قصة تُروى، بل هي رحلة استكشافية في
دهاليز النفس البشرية، رحلة تُجبر القارئ على مواجهة ظلال ماضيه، وإعادة تقييم
حاضره، والتساؤل عن ملامح مستقبله.
![]() |
| ## العائدون من الماضي: رواية أسْمى الزهار تُشعل فتيل البحث عن الذات في أعماق الألم |
**أسْمى الزهار قلمٌ يخطّ آلام الروح**
تُعرف الكاتبة أسْمى الزهار بقدرتها الفائقة على تشريح المشاعر الإنسانية بدقة متناهية، وتحويلها إلى
لوحات فنية تتجلى فيها جماليات اللغة وقوة التعبير. في "العائدون من الماضي"،
يأخذنا قلم الزهار إلى عوالم داخلية معقدة، حيث تتشابك خيوط الألم والأمل، اليأس
والبحث عن الخلاص. إنها لا تخشى الغوص في المناطق المظلمة من الروح، مستحضرةً
أسئلة وجودية كبرى تُلامس كل من اختبر صراعات الحياة وتحدياتها.
**آلامنا ستائر من الدانتيل الأسود استعارة تُلخص عمق الرواية**
تستهل الرواية بعبارة
بالغة الأثر: "ألم تكن آلامنا سوى ستائر من الدانتيل الأسود علقناها على
نوافذ الفرح؟". هذه الجملة الافتتاحية ليست مجرد سؤال بلاغي، بل هي مفتاح
الولوج إلى فضاء الرواية الفكري والفلسفي. إنها استعارة تُجسّد فكرة أن الأحزان،
وإن بدت قاتمة ومعتمة، إلا أنها قد تُصبح جزءًا لا يتجزأ من نسيج حياتنا، تُلقي
بظلالها على لحظات السعادة، وتُعيد تشكيل منظورنا للعالم. الدانتيل، بطبيعته
الشفافة والمزخرفة، يُشير إلى أن الألم قد يكون مُغطى بجماليات خادعة، أو أنه
يمتلك تعقيدًا وتفاصيل تُثري التجربة الإنسانية رغم مرارته.
**الغوص في أعماق النفس المعذبة محاور الرواية الرئيسية**
"العائدون من الماضي" هي دعوة صريحة للغوص في أعماق النفس البشرية المعذبة. تُسلط الرواية الضوء على عدة محاور رئيسية تُشكل نسيجها الفني:
1. **صراع الإنسان مع ماضيه:** تُعد فكرة "الماضي الذي يعود
ليحاصر الحاضر" جوهر الرواية. فالشخصيات في الرواية ليست مجرد ضحايا لماضيهم،
بل هم سجناء له، تلاحقهم ذكرياتهم، أخطائهم، وأحزانهم، مما يُعيق تقدمهم ويُلقي
بظلاله على قراراتهم وعلاقاتهم في الحاضر. تتجلى هذه الفكرة في التفاصيل الدقيقة
التي تُقدمها الزهار عن كيفية تأثير الأحداث الماضية على السلوكيات الحالية
للأفراد.
2. **الألم كرفيق دائم:** تصور الرواية الألم ليس كحدث عابر، بل
كرفيق دائم، ينتقي القلب جراحه "كمدير أزياء يختار ملابس العرض المقبلة بحرص
شديد". هذه الاستعارة تُبرز أن الألم قد يُصبح جزءًا من الهوية، يُشكل شخصية
الفرد ويُحدد مساراته، مما يُضفي على الرواية طابعًا نفسيًا وفلسفيًا عميقًا. إنها
تُقدم رؤية مختلفة للألم، تجعله ليس مجرد معاناة، بل جزءًا من عملية التشكيل
الذاتي.
3. **فقدان الحلاوة في مواجهة المرارة:** تشير الرواية إلى أن "يزداد
البعد عن الأرض بعد اكتشاف الجاذبية، وتفقد الأشجار حلاوة ثمرها". هذه الصورة
الشعرية تُعبر عن فقدان البراءة، أو ضياع البهجة الأصيلة في الحياة عندما تُصبح
الحقائق القاسية أكثر وضوحًا. إنه شعور بالفراغ الروحي أو التبلد العاطفي الذي قد
يُصيب الإنسان بعد تجارب مؤلمة، حيث تتلاشى حلاوة الأشياء البسيطة وتُصبح الحياة
أكثر تعقيدًا.
4. **الانهيار والبحث عن الخلاص:** تُصوّر الرواية رحلة بين شعور
الانهيار التام والبحث المضني عن بصيص أمل يُخبر الإنسان "أن العالم لا يزال
بخير". هذا التناقض الجوهري يُشكل ديناميكية الرواية، حيث تتأرجح الشخصيات
بين لحظات اليأس العميق ولحظات البحث عن القوة الداخلية للمضي قدمًا. إنها تُجسّد
مرونة الروح البشرية في مواجهة الشدائد، وقدرتها على التمسك بأصغر الخيوط بحثًا عن
النور.
**أسلوب أسْمى الزهار فن السرد والتصوير**
تعتمد أسْمى الزهار في "العائدون
من الماضي" على أسلوب سردي يمزج بين الواقعية النفسية واللغة الشاعرية. تُتقن
الكاتبة فن التصوير، مُستخدمةً المجازات والاستعارات لتعميق المعنى وإضفاء بُعد
جمالي على النص. تُبنى الشخصيات بعناية فائقة، مما يُمكن القارئ من التعاطف معها
وفهم دوافعها وصراعاتها الداخلية. كما تُستخدم تقنية الفلاش باك (العودة إلى
الماضي) ببراعة لربط الأحداث الماضية بالحاضر، مُقدمةً تفسيرات مقنعة لسلوكيات
الشخصيات وتطورها.
**لماذا تُعد "العائدون من الماضي" إضافة قيمة للمكتبة العربية؟**
تُقدم رواية "العائدون
من الماضي" عدة أسباب تجعلها عملًا أدبيًا يستحق القراءة والتمعن:
* **العمق النفسي والفلسفي:** تتجاوز الرواية حدود السرد التقليدي
لتقدم تحليلًا نفسيًا عميقًا للآثار التي يُخلفها الماضي على الحاضر والمستقبل. إنها
تُثير تساؤلات حول طبيعة الألم، الذاكرة، والخلاص.
* **اللغة الراقية والتعبير الجذاب:** تتميز الرواية بأسلوب لغوي
رصين وجميل، يُظهر براعة الكاتبة في استخدام المفردات والتراكيب لخلق صور ذهنية
قوية ومؤثرة.
* **الشخصيات المعقدة والواقعية:** تُقدم الزهار شخصيات ليست
مثالية، بل بشرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تتصارع مع عيوبها ونقاط ضعفها، مما
يجعلها قريبة من واقع القارئ.
* **مُحفز للتأمل الذاتي:** تُشجع الرواية القارئ على التفكير في
ماضيه، وكيف يُشكل حاضره، مما يجعلها تجربة تأملية أكثر منها مجرد قراءة ترفيهية.
* **رسالة أمل رغم الألم:** على الرغم من الغوص في أعماق المعاناة،
إلا أن الرواية تحمل في طياتها رسالة أمل مفادها أن البحث عن الخلاص ممكن، وأن
العالم، رغم قسوته، لا يزال يحمل الخير.
**في الختام**
"العائدون من الماضي" لأسْمى الزهار ليست مجرد رواية تُقرأ، بل هي تجربة تُعاش. إنها دعوة صادقة لمواجهة الذات، لفك تشابك خيوط الماضي، والبحث عن النور في أحلك الظروف. إنها عمل أدبي يترك بصمة عميقة في نفس القارئ، ويُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان وذكرياته، بين الألم والأمل.
استعد، أيها القارئ، لمواجهة الماضي الذي يعود ليحاصر
الحاضر، ولتُعيد اكتشاف قدرتك على النهوض من الرماد.

